الحاقة بين الإنجيل والإسلام :




الحاقة بين الإنجيل والإسلام :
"الحاقة اسم من أسماء يوم الحساب , لأن فيها يَتَحقَّقُ الوَعدُ والوَعيد؛
ولهذا عَظَّم الله تعالى أمرَها فقال: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ } ؟" ولعل من
أسمائها كذلك القارعة , قال الله تعالى مخبرا عن الأمم السابقة المكذبة
بيوم العرض , والحساب , وفصل السعداء عن الأشقياء :" الْحَاقَّةُ (1)
مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ
أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) }...الطاغية قيل الصيحة
وزلزلتها , وقيل الذنوب , وقيل بأنهم أهلكوا بسبب الطاغية الذي عقر الناقة ,
ولم يجد منهم زاجرا يكفه عن عمله ...وأما عاد فأهلكوا بريح عاتية باردة ,
سلطها عليهم الله تعالى{ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا }..وقيل في "حسوما "
إنها متتابعات كوامل  مشائيم , وكان أولها الجمعة وقيل الأربعاء. ويقال: إنها
التي يسميها الناس الأعجاز؛ وربما سماها المغاربة الليالي , أي الليالي
المعلومة التي يكون فيها الجوشديد البرودة ...ولقد صورالله تعالى حال عاد
تصويرا , يجعلك كأنك تنظر إليهم فقال تعالى:" { فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى
كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُنَخْلٍ خَاوِيَةٍ }, وهذه الريح تسمى :الدبور, قال النبي صلى الله
تعالى عليه وسلم :" "نُصِرْتُ بالصَّبا، وأهلكَت عادٌ بالدَّبور". والدبور
في اللغة ريح غربية , يقابلها الصبا , وهي ريح شرقية . وفي حديث
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا فيها إلا
مثل  موضع الخاتم، فَمرّت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم،
فجعلتهم بين السماء والأرض. فلما رأى ذلك أهل الحاضرة الريح (3)
وما فيها قالوا: هذا عارض ممطرنا. فألقت أهل البادية ومواشيهم على
أهل الحاضرة" (4) . كانت تأتيهم هذه العقوبات مقابل تكذيبهم الرسل ,
عليهم الصلاة والسلام , وهي مقدمة دنيوية , لعذاب أخروي دائم .
والحاقة تسمى الواقعة كذلك , قال الله تعالى:" فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ
 نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الأرْضُ  وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14)
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16)
وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ  رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) " . وإن كثرا من الناس
لغافلون عما ينتظرهم ...أما أحد الثمانية الذين يحملون العرش عليم
السلام , فقال فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :" قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أذنَ لي أن أحدثكم عن ملك من حَمَلة العرش: بُعْدُ
ما بين شحمة أذنه وعنقه بخفق الطير سبعمائة عام". قال "ابن
 كثير"رحمه الله تعالى : وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات ...قلت :
وهوحديث يرد على من يقول : إن الله تعالى ليس في مكان معين ,
ولا في جهة معينة , ولاهو داخل العالم ولا خارجه...وكأنهم يقولون : لا
وجود لله تعالى في هذا العالم ... فالله تعالى مستو على عرشه الكريم ,
وحملة العرش ثمانية ملائكة , وقيل ثمانية صفوف من الملائكة عليهم
السلام....وقد يكون لله تعالى عرش أصغرمنه يستعمله يوم الحساب ,
كما لاحظ "ابن كثير" رحمه الله تعالى . وقد يجعل الله تعالى حجم
عرشه في أي حجم شاء , ومتى شاء سبحانه وتعالى ....ألا ترى
أنه عزوجل خلق السيد جبريل عليه السلام , يسد الأفق بأجنحته ,
وإذا نزل بالوحي , جعله الله تعالى في صورة بشر, لايتعدى حجمه
حجم أحدنا...وفي ذلك يقول الله تعالى في ملائكته الكرام عليهم
السلام:" وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا ...." أي لوأنزلنا عليكم
ملكا رسولا , لجعلناه في صورة بشرمن الرجال ...وجاء في حديث
جبريل عليه السلام : حدثني عمر (أنه كان في مجلسٍ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
 إذ جاء رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه
أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأسند
ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، ثم قال: يا محمد! أخبرني
عن الإسلام . قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول
الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن
استطعت إليه سبيلاً، قال السائل: صدقت، قال عمر: فعجبنا له يسأله
ويصدقه ! قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: الإيمان أن تؤمن بالله،
وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره،
قال: صدقت، قال:فعجبنا له يسأله ويصدقه! قال: فأخبرني عن الإحسان،
قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.."...
فأنت ترى ملكا في صورة بشرنظيف , عالم , لطيف ...فإذا رأيته على
الصورة التي خلقه الله تعالى عليها , رأيت كائنا عظيما يسد الأفق ,
وفي الحديث قال رسول الله , صلى الله تعالى عليه وسلم :" رأيت
جبريل في صورته التي خلق فيها مرتين وله ستمائة جناح , وقد
سد الأفق..." على كل حال فالعذاب العاجل والآجل , يلحق بمن كذب
الرسل عليهم السلام , كما بين الله تعالى فيما سبق , وفي كثير من
السورالقرآنية الكريمة , ولا شك أن المنكرين أنواع , يكون في
مقدمتهم الفلاسفة , وطغاة الخلق كما جاء في الإنجيل , ففي سفر
أعمال الرسل 17 18: فقابله قوم من الفلاسفة الأبيكوريين ,
والرواقيين , وقال بعض : ترى ماذا يريد هذا المهذارأن يقول؟
وبعض : إنه يظهرمناديا بآلهة غريبة.." وفي الرقم 17 32:
ولما سمعوا بالقيامة من الأموات , كان البعض يستهزئون ,
والبعض يقول : سنسمع منك عن هذا أيضا..." واالإنجيل
الجديد نفسه يعتبرأن المرأة للأزواج الذين تزوجوها يوم
القيامة , ثم يدخله قول الغريب فيقول : بأن الناس يوم القيامة
لا يتزوجون , وإنما يعيشون مثل الملائكة...والحق أن بالجنة
قصورا , وحورا , ونعيما كثيرا , لا يحصل عليه من أنكرالبعث ,
وأنكرنبوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام , وأنكرنعيم الجنة ...
لأن من أنكرنبوة نبي  دخل النار , لأنه بمنزلة من كذب  كل
الرسل عليهم السلام...
ومن مشاهد القيامة ما نقرأه في قول الله تعالى :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ
 اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ
كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ
سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) وَمِنَ النَّاسِ
 مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)"سورة
الحج . ومن أسماء القيامة " الصاخة" , قال الله تعالى في سورة
عبس :" فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ
شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ
(39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ
هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)...."

عبداللطيف سراج الدين
شكرا لك ولمرورك