الصدقة بين الكفر والإيمان



الصدقة بين الكفروالإيمان :
الصدقة عمل الخير, وإحسان الى الغير, ولها أجرعظيم عندالله تعالى .
إذا روعيت الشروط , ومنها : أن يكون العمل لوجه الله تعالى , وأن
لا يقصد به الرياء , وأن لا يشتري به أصوات الناس , وأن لا يؤذي
المتصدق عليه بكلام جارح ...وفي ذلك يقول الله تعالى , محافظا على
نفسية الفقير, ومرشدا للمحسنين الى الطريقة المثلى للتصدق :"
الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله , ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا
أذى , لهم أجرهم عندربهم , ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون 262
قول معروف ومغفرة خيرمن صدقة يتبعها أذى , والله غني حليم 263
يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى , كالذي ينفق
ماله رئاء الناس , ولا يؤمن بالله واليوم الآخر...."  البقرة . وقد تجد
منفقا لا يريد بصدقته إلا محاربة الله تعالى , وفيهم يقول عزوجل :"
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ
تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)
الأنفال . أما الذين يبتغون بنفقتهم وجه الله تعالى فقد قال فيهم سبحانه:
"وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ
جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) البقرة . وقد لاينتفع الكافربصدقته , فإذا أسلم
كتبت له حسناتها, وإلى هذا ذهب أكثرالعلماء رضي الله تعالى عنهم ,
وحكى البعض الإجماع على ذلك , وقالت جماعة : لاينتفع الكافربصدقته
التي تصدق بها زمن كفره , والى هذا ذهب :المازري , والقاضي عياض...
وهذا الخلاف مبني على ما فهم من قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم:
" إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ , كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا , وَمُحِيَتْ
عَنْهُ كُلُّ سَيِّئَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا , ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِصَاصُ :الْحَسَنَةُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا
إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ , وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا ".
فالكتابة لا تعني عند البعض أنها كتبت حسنة , وإنما هي تسجيل لعمل , قد
لا يكتب له حسنة وإن أسلم , بينما اعتبرها الآخرون حسنات كتبت للمتصدق
بعد إسلامه ....والذي يظهرأن إذا الشرطية , وجملة كتب الله له ...عبارتان
صريحتان في كون من أسلم كتبت له حسناته السابقة لإسلامه...ومن الصدقة
القرض الحسن , لقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : "إن السلف يجري
مجرى شَطْرِ الصدقة" وفي حديث :" دخلَ رجلٌ الجنَّة، فرأَى على بابها
مكتوباً: الصّدقةُ بعَشرِ أَمثالها، والقرض بثمانية عشر" فمن أقرض مائة
درهم دون ربى , كمن تصدق بخمسين درهما حسب الأول . أما بالنسبة
للثاني فقيمة القرض أكبربكثيرمن رأسمال القرض نفسه , وذلك فضل الله
تعالى . ولقد عرف البعض قيمة الصدقة , فبذلوا أموالهم سرا وعلانية ,
وقد فضل البعض ممن يتصد على التلاميذ بأثمنة المقررات وتكاليف
الدراسة , أن لا يذكراسمه واكتفى بتكليف من ظن أنه سيقوم بالعمل على
أحسن وجه , فكان يختارالأغنياء بدل الفقراء للتقرب منهم , لهذا من
الأحسن وقوف الشخص على الصدقة حتى توضع في أيدي مستحقيها .
ولقد بلغ بالبعض إيمانهم الرفيع أن تصدقوا بكل أموالهم , حدث ذلك على
 مرالتاريخ الإسلامي , إذ تصدق صحابة كرام رضي الله تعالى عنهم
بكل أموالهم , وتصدق غيرهم كذلك , منهم أمراء وأميرات , ومنهم
متصوفة...ولا باس أن يبقي المتصدق لنفسه وأهله مالا, فهو خير
من أن يتركهم عالة يتكففون الناس...لقول النبي صلى الله تعالى عليه
وسلم لقائل :" أريد أن أوصي بمالي؟ قال النبي عليه السلام: «لا،
قال: في النصف؟ قال: لا،قال: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير،
 إنك أن تدع ورثتك أغنياء خيرلك من أن تدعهم عالة يتكففون أيدي
الناس» . فمن كثرماله كالأميرالسعودي الذي وضع مشكورا , ماله
رهن إشارة الجمعيات الخيرية , يكون قد فعل خيراكثيرا إن شاء الله
تعالى , فصاحب الملاييرإن ترك مليارا واحدا لأهله كان كافيا , وإن
ترك أربعة فهو أحسن , ولعل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم , اعتبر
الأكثرمن الثلث كثيرا بالنسبة لمن قل ماله , فإذا كان نصف نصف  ربع
مال المتصدق كافيا للإنفاق على عدة أسر, مائة سنة فيظهرأنه لا
يدخل في صنف من استكثرعليه الثلث والله تعالى أعلم . وهل دفع
المال للدولة أكثرنفعا , أم دفعه للجمعيات الخيرية أنفع ؟ يظهرأن
دفعه للدولة أحسن , بدليل أن الزكاة تدفع للخزينة العامة , لتقوم
الدولة مشكورة بتوزيعها على مستحقيها , وقد يكون من الأحسن
أحيانا صرفها في توظيف الشباب العاطل الفقير. وإننا نتمنى أن يحذو
كثيرمن أمراء الأمة ومترفيها , حذوهذا الأميرالكريم , فيدخلون
المال من الخارج , ويملأون خزائن الدول الإسلامية بتبرعاتهم , ولا
يتركون في حساباتهم أكثرمن أربعة ملاييرمن الدولارات ...لأن
من قرأ قول الله تعالى :" وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر
إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ
وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا
اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي
 لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ
(178) مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ
 الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ
يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا
فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ
مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ  وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ (180) سورة آل عمران ...فسيعلم كيف يفعل بأصحاب
الأموال التي لا تؤدى حقوقها ..." سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ " . وفي الحديث الشريف :" من آتاه الله مالا فلم يؤد
زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع (نوع من الثعابين) له
زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه (يعني شدقيه) ثم
يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلا النبي (ص) {ولا يحسبن الذين
يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم
سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة}قال الشيخ الألباني رحمه الله
تعالى :صحيح , أخرجه البخاري والنسائي وأحمد عن أبي هريرة
رضي الله تعالى عنهم جميعا . وقد يترك البعض ماله لولد سكير,
زان , يعبث بالأموال ...فالأحسن أن يتصدق ولا يبقي إلا ما يكفي
 لنفقة أولاده وأهله والله تعالى أعلم .
عبداللطيف سراج الدين















شكرا لك ولمرورك