مساحات فكرية

 

مساحات فكرية:
إن عرض العقل كطوله , يعادل مساحة البحرالذي يوجد في خيا ل
البشرية المتعلمة , لهذا قيل فلان بحرتشبيها له بسعة البحر, لغزارة
علمه , أوشساعة ظلمه , أورحابة جهله ...لأن كل هذه حقائق وبحور
لا ساحل لها . لهذا حلق عالم الصناعة في أجواء الجوزاء , وحط
على سطح القمروالمريخ , وراسل العالم العلوي ليكتشف المجرات
الأخرى , التي قد تصل بعضها إشارة صوتية بعد ألف سنة ...وهي
وعالمنا بمختلف مكوناته , كمائدة العطعام بالنسبة لعلم الله تعالى , لا
يخفى منها شيء عن علمه العظيم , فهوسبحانه يرى النملة السوداء ,
فوق الصخرة الصماء , في الليلة الظلماء , ويعلم ما يوسوس به
صدرها الصغير, وما يدوربعقلها المتناهي في الدقة...سبحان من
خلقها بأرجلها وشكلها البديع , وهوكذلك مطلع على كل عمل يعمله
الإنسان , ويعلم ما يلفظ به لسانه , وما أكله وما شربه , وما أضمره ,
لا تخفى عليه خافية , وبذلك شهد لنفسه المباركة المعظمة فقال تعالى:
"ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه , ونحن أقرب إليه من حبل
الوريد , إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد , ما يلفظ من
قول إلا لديه رقيب عتيد , وجاءت سكرة الموت بالحق , ذلك ما كنت
منه تحيد , ونفخ في الصورذلك يوم الوعيد , وجاءت كل نفس معها
سائق وشهيد , لقد كنت في غفلة من هذا , فكشفنا عنك غطاءك فبصرك
اليوم حديد , وقال قرينه هذا ما لدي عتيد , ألقيا في جهنم كل كفارعنيد ,
مناع للخيرمعتد مريب..." وهو كذلك وصف لحال كل شخص بعد الموت ,
عندما تظهرالحقيقة جلية  بعد القولية , ذلك أن مع كل امرأة ورجل ملكين
وشيطان , الملكان يكتبان الحسنات والسيئات , والذي على اليمين رئيس
الذي على الشمال حسب خبرضعفه البعض , فلا يكتب إلابعد أخذ الإذن من
رئيسه , الذي يؤجل الكتابة لحظة في حالة ارتكاب السيئة , عسى صاحبها
أن يتوب , فإذا كانت حسنة كتبت في حينها , وهذا من كرم الله تعالى ...أما
الشيطان أوالقرين , فهومن جندإبليس اللعين , يحاول دائما إضلال صاحبه
ليقوده الى الجحيم , لأن من الجن صلحاء ومجرمين , يسيرون في طريق
أبيهم اللعين , الذي أقسم أن ينتقم من البشر, لأنه سبب خرجه من رحمة
الله تعالى ...هذا شيء لا يعرفه كل الناس , لأن بحورالجهل ينكرون كل
حقيقة تؤمن بالعالم الآخر, لذا قال أولهم :"أإذا متنا وكنا ترابا ؟؟؟؟ ذلك
رجع بعيد..." فأجابهم الله تعالى بقوله الكريم :"قد علمنا ما تنقص الأرض
منهم , وعندنا كتاب حفيظ ". هذا الكتاب هوالشريط الذي سجلت فيه
أعمالهم , لأن ذات الإنسان بها أجهزة دقيقة لا يعلمها إلا من خلقها سبحانه ,
فهناك الفيديو, والسجالة , ومالاندري من الأسرار,التي دل عليها العلم
الحديث , وقد تشهد على الإنسان رجله , ولسانه , وبشرته , ويده ,
وما شاء الله تعالى , ولكن بحرالظلمات لا يترك لصاحبه مجالا لمعرفة
الحقيقة , لأن عقل الجاهل أ شد حلكة من بحرالظلمات , وبالعكس
فإن المتنورين بنورالمعرفة الدينية , والعلوم الربانية , لايخفى
عليهم شيء من أمرالآخرة , لأنهم يرون بنورالله تعالى , بتصديقهم
أنبياءه عليهم الصلاة والسلام , فهم لايشكون في شيء مما جاءوا
به , وفي حقهم نزل قول الله تعالى الذي أمنهم من عذاب الجحيم
فقال عزوجل:" لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ
خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ
الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ". وإن منهم بحورا في العلم رضي الله تعالى
عنهم , به يهدون ويهتدون , مصابيح في الدجى , "تتجافى جنوبهم
عن المضاجع ". يبيتون ركعا سجدا لله تعالى , لا يظلمون الناس ,
ولا يزنون , ولا يأكلون الحرام , ويتصدقون من أموالهم , وينفعون
خلق الله تعالى ...وهناك بحورظلم يفعلون كل كبيرة وصغيرة من الذنوب ,
يقتلون , ويشردون , وينهبون , ويزنون , ويقطعون الطريق , ويروعون
الآمنين , ويدفعون الناس الى التباغض والتناحر...ولا يذكورن الله تعالى ,
ولا يفكرون في اليوم الآخر...ومنهم من يكون أخطرعلى البشر من
الشياطين , بابتكاره فلسفة فاشلة , ملحدة , تنتج ناسا ضالين مضلين ,
يخرجون عن طبيعة الفضلاء , ويملؤون سجلاتهم بما يجعلهم في الدرك
الأسفل من النار....يوم يقال له " اقرأ كتابك بنفسك " وفيهم وفي غيرهم
قال الله تعالى :" وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
 كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)
 مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ  حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) ". صدق الله العظيم ,
 إن الله عظيم , علم كل شيء , وتحكم في كل شيء...ولقد سخرالجن لسيدنا
سليمان عليه السلام , فرأى عجبا , إذ أحضرله أحدهم بقدرة الله تعالى كرسي
" بلقيس" في أقل من طرفة عين ...وإن بيننا اليوم من سخرت لهم الشياطين ,
يجتمعون بهم , ويقضون لهم مآربهم , ولكن تسخيرهم ليس من نوع التسخير
الذي وهبه سيدنا سليمان عليه السلام , فالساحرقد يكفر ببعض أعماله , لأن
الشياطين يتلاعبون بالبشر, ويحرضون بعضهم على بعض ...لهذا نهى الدين
عن السحروعده من الكبائر.. قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم :" اجتنبوا
السبع الموبقات 2: الشرك بالله و السحر و قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق
و أكل الربا و أكل مال اليتيم و التولي يوم الزحف و قذف المحصنات المؤمنات
الغافلات". إن عالم الإنسان عالم خطير, فمن اكتشف نفسه وعلم نوع بحره ,
عرف الله تعالى وانتقل من حال الى حال , وخاف الله المتعال , الذي خلق
مخلوقات قد تفوق سرعة بعضهم سرعة البرق , فالبراق الذي ركبه الأنبياء
عليهم السلام , وهو دابة فوق الحمار ودون الحصان , يضع حافره عند
منتهى بصره , وقد يببصركوكبا فوق الشمس فيصله بمجرد إبدال
خطوته ...أما الملائكة فقد اختلفت سرعاتهم , لأن منهم من له جناحان ,
ومن له ثلاثة , ومن له أربعة فأكثر...وفهم قال الله تعالى :" الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ
 فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ
 مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ
غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ".
وقال الله تعالى يعلم رسوله عليه السلام كيف يدافع عن نفسه الكريمة:
" قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد , قل إن ضللت فإنما أضل
على نفسي , وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي , إنه سميع قريب , ولو
ترى إذ فزعوا فلا فوت , وأخذوا من مكان قريب..." وهل يستطيع
أحدالهرب من قبضة الواحد الأحد ؟ إنه لا فوت يفوته , إن شاء سلبهم
الحركة وتركهم في سكون , وإن شاء ربط أيديهم وأرجلهم دون حبل ,
 وهكذا... وأما قوله تعالى :"وأخذوا من مكان قريب " فذلك لأن كل
شيء قريب من الله تعالى لقدرته على كل شيء , فلا بعد بالنسبة لقدرته
تعالى , " ويحذركم الله نفسه " . قال تبارك اسمه العظيم:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا  تَذْهَلُ كُلُّ
مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى
وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ".
اللهم اهدنا فيمن هديت , وعافنا فيمن عافيت , وقنا شرما قضيت....
"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا....آمين.

عبداللطيف سراج الدين
شكرا لك ولمرورك