الديانات السماوية والمجتمع السعيد :




الديانات السماوية والمجتمع السعيد :
منذ خلق الله تعالى الكون , وقد رفي الأرض أقوات العباد , خلق بشرا
ليكون مستخلفا في الأرض , متحملا لمسؤولياته الأخلاقية والدينية
أمام الخالق تعالى , وزوده بالعقل التام ليد رك قدرات الله تعالى ,
ويستدل على وجوده ببراهن , مزودة بتبشيروتحذ يرسماويين , جاء
بهما المرسلون عليهم الصلاة والسلام . كما خلق الجان الى جانب
البشر, ليعبدوا الله تعالى , وهم في نفس الوقت دليل على وجود
العالم الخفي القوي الرهيب ...وإن كثيرا من الناس يتصلون بهذا
النوع من المخلوقات الخفية , التي أعطاها الله تعالى القدرة على
التشكل في صورالبشروالحيوان , وما شاء الله تعالى , فهم في
هذا الجانب يشبهون الملائكة , ولكن منهم التقي ووالعاصي , لهذا
أشبهوا البشرمن ناحية كون بعضهم عصاة , وبعضهم طائعون
لرب العالمين , الذي نقل لنا كلام بعضهم في القرآن الكريم فقال
تعالى في سورة الجن :" وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ
أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا
(15) .." كذلك أشبهوا الملائكة من ناحية كونهم أرواحا لا ترى ,
وإن أرادوا الاجتماع بالبشر, استطاعوا ذلك بقدرة الله تعالى ,
وقد تظهرالجنية في صورة خاطفة للأبصار, مشرقة الأنوار, في
حلل تربك المشاهد الماجن ...وقد تجدها في صورة أرنب أوحمارة ,,
ويروى عن بعض جيراننا في عهد كان فيه الوحش كثيرا , وكنا
نرى الأرنب تلعب أونراها نائمة وعيناها منفتحتين , لتوهم الرائي
بانها مستيقظة , وكان الحجل , والذئب , و"الكدري" , وحبارى...
وأنواع كثيرة أفناها تعاطي الناس الصيد بالبارود... قلت يروى أن
شخصا يسمى : الشرقي , كان يخرج ليلا ليصطاد الأرانب البرية ,
وبينما هومستلق في بستان للعنب , ينتظرورود الصيد على الفخ
الحديدي الدفين , إذ سمع صوتا آتيا من ناحية سورالصبار, حيث
 تسكن الأرانب يقول: يا فلانة , إن ابنتك العويراء ستقع في فخ
الشرقي . وكانت الجنية الصغيرة تلعب وهي في صورة أرنب ,
وفعلا وقعت في الشراك , ويقال : إنه حمل للمحاكمة أمام قاضي
الجن...وهناك حكايات كثيرة , والمهم أن الجن موجودون لا شك
في ذلك ...ولقد سخرالله تعالى لسيدنا سليمان عليه السلام أنواعا
من الجن , وفي ذلك يقول تعالى في سورة ص :"وَمَا خَلَقْنَا
السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا  ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُواآَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ
بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ
رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ
وَالْأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ
أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي
إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ
 أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ
مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ
 حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (40).." فالله
تعالى يراهم ولا تخفى عليه منهم خافية , لهذا ذكر سبحانه
ثلاثة أنواع منهم سخرهم لنبيه سيدنا سليمان , عليه الصلاة
والسلام . كما سخرله الريح تحمله وتحمل جنوده حيث شاء ,
وإذا تأملت الوصف السابق , شعرت كأنك ترى عثاة الشياطين
في أصفادهم يرفلون , لخطرهم على من علم الله تعالى . ولقد
ذكرالله تعالى في بداية الآيات أنه جل وعلا , لم يخلق الكون
عبثا فقال عزمن قائل:" وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا
بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)
وبما أن الله تعالى علم أن بعض البشرقد يطغى على أخيه
المستضعف , فيستغله , ويستعبده , ويضربه , ويسجنه ,
ويغتصبه , ويذ له , ويحقره , ويشرده ....دون وازع من
ضمير, لمجرد أنه بلغ كرسي الرئاسة , وأخذ عصا الزعامة ,
ظنا منه أنه لا يعلى على إرادته , كما حدث لفرعون الذي
قتل الرجال والأطفال , وترك النساء ليستغلهن هووجنوده ,
ورفض رسالة نبي الله تعالى موسى عليه السلام , وأراد
الفتك به , فأمرسبحانه البحرفأخذه ولم يفلته . ولقد سجل الله
تعالى ذلك المشهد الرهيب في كتابه العزيز, وسجل أخطرلحظات
فرعون وهويواجه الموت , والموج يحيط به من كل جانب فقال
تعالى:" وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52)
فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ
قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)
فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58)
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)
فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)
قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ
اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ
(63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ
أَجْمَعِينَ  (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا
كَانَ  أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) ". في هذا المشهد العظيم , البعيد عن
أسلوب العرب في العرض والسرد , وتوظيف المعلومات الخفية
عن البشر, كالتي نجد في سورة يونس عليه السلام , والمتعلقة
بآخرلحظة في عمرفرعون الطاغية . قال الله تعالى واصفا هذه
اللحظة العصيبة:"حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا
الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُوإِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آَلْآَنَ وَقَدْ
عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ؟(91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ
 لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ
(92) ".. نعم لقد أدرك فرعون حجم تعديه , وصدق الرسول
الذي كان يهديه , وكان هويريد به شرا , ولكن هيهات , لقد
تجاوزالمرحلة التي يسمح فيها بالتوبة , فلم يجده خوفه
وإعلانه إسلامه ...لهذا كان الجواب الذي تلقاه : آلآن ؟ وفيه
نوع من الاستهزاء بالمجرم , ولماذا لم يتب قبل أن يؤخذ
من حيث لا يدري؟ ولقد أخبرنا الله تعالى بحال فرعون وجنوده
بعد الموت كذلك , وأنهم يعرضون على النارصباح – مساء ,
الى أن يدخلوها بصفة دائمة . وفي ذلك يقول الله تعالى في
سورة غافر:" فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ
سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ
تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) . وبما أن
كلا من البشروالجن يطغون فقد شرع الله تعالى الشرائع ,
وأرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام , ليحملوا الناس على
تطبيق ما شرع لهم ربهم , وليكونوافي مجتمع آمن , مطمئن ,
سعيد , ينعم بعيش رغد ...وكانت ركائزهذا المجتمع الفاضل
القوي السعيد , هي الآتي :
1 – الصلاة : جعلها الله تعالى عماد الدين , وجعلها ناهية
     للمصلي عن الشر, آمرة له بالخير, ومن لم تنهه صلاته
    عن الشرلم يزدد من الله تعالى إلا بعدا. من هذه الصلوات
    ما يصليه المكلف في بيته , وأخرى تصلى جماعة في المسجد,
     وكأن الله تعالى قال لنا : استحضرواعظمة الله تعالى وأنتم
     مجتمعون للعبادة , كما تستحضرون عظمته تعالى وأنتم
    تصلون فرادى .. لأن اجتماعكم على طاعة الله تعالى , خير
    من اجتماعكم على محاربة بعضكم لبعض .. هكذا تكونوا
    سعداء بطاعتكم , في مجتمع سعيد بعيد عن الفوضى والقتل ,
    كما يفعل المجرمون الذين يروعون حياة الضعفاء الآمنين..
2 – الصوم معين كذلك على إيجاد مجتمع فاضل متعاون على
     الخير, كلما شعرالصائم بالجوع , كلما أدرك معاناة الفقراء
    والمحتاجين , فيعطف بضهم على بعض ..فيصبحوامتعاونين.
3 – الزكاة هي كالصلاة والصوم , فرضها الله تعالى على من
     سبق من أهل الديانات السماوية , ليكون للفقيروالمحتاج ,
     حق في مال الأغنياء , يعطون الواجب إخراجه للدولة
     توزعه عليهم بالتساوي , أويوزعه الشخص على الفقراء
     بنفسه , إذا لم تكن الدولة راصدة للزكاة من يجمعها...
    فيتقاسم الناس المنافع ليسعد بعضهم بعضا . وولقد فرض
     الله تعالى حقا للفقيرفي مال الغني , لأن المال مال الله
      تعالى , فمن لم يؤد حق ماله كما أمره الله تعالى , عذبه
     بالنار....وقد يجعل المال صفائح وتكوى بها في  نارجهنم ,
     جباه وجنوب وظهوركانزي المال غير المزكى .
4 – الربا وهو استغلال وضلال , يأكل به القوي الضعيف ,
     لهذا نهت المسيحية واليهودية والإسلام عن التعامل
     بالربا...وبدأ نبي الإسلام بإبطال ربا عمه العباس رضي
    الله تعالى عنه ...فإذا أسلف بعضنا بعضا دون ربا , أرضى
    الله تعالى كل من فعل ذلك , واسعد عباده , وكان في
    مجتمع فاضل متعاون..
5 – العمل , زينه الله تعالى , وجازى عنه الخيرالكثير,
     ليكون الشخص عاملا, بعيدا عن الكسسل والتسول ,
      صالحا مصلحا منتجا....سواء كان في الحقل أو في
     الوظيف...فإذا لم يوجد بين الناس عاطل , ساد الأمن
     والوعي , والرخاء ....ولقد أخبرالنبي صلى الله تعالى
    عليه وسلم , أن الله تعالى يحب العبد العامل , وأن
     هناك ذنوبا لا يغفرها إلا السعي عن العيال...
6 – الى جانب ما تقدم نجد جملة من المحسنات الاجتماعية ,
      التي تساهم في إيجاد مجتمع فاضل , منها : تجنب
     الكذب , والغش , والزور, والسرقة ....وهناك
     محسنات إن ظهرت كان المجتمع فاضلا , سعيدا ,
     طاهرا...منها الصدق , والأمانة , والرحمة , والعفو,
      والحب في الله تعالى ...
7 – وضع الله تعالى زواجروعقوبات للجرائم , وارتكاب
      المحرمات , وألزمنا بتطبيقها , فمن عطلها عطل
       شرع الله تعالى , ومن عطل شرع الله تعالى دخل
      النارإن لم يكن له مبررشرعي ....لأن هذه العقوبات
      بفضلها تختفي الجريمة , فالسارق إذا علم أنه تقطع
      يده إن سرق لم يسرق , والقاتل إن علم أنه سيقتل
     لم يقتل ...
8 – إيجاد جمعيات تتعاون على التقاط أطفال الشوارع ,
     وتعليمهم , وإيوائهم , والعناية بهم ....وتتعاون على
     مساعدة المرضى , والتكفل بأدويتهم , وتحليلاتهم ,
     ومساعدتهم على التصفية المجانية , إن كانوا من
     ذوي القصورالكلوي....
9 – تجنب إنشاء جمعيات تساعد على التفسخ والانحلال , 
     والعري , وفعل المنكرات باسم الحرية , لأن الحرية
     لا تبطل شرع الله تعالى , بل شرع الله تعالى يبطل حرية
     كل من يسيء الى الأخلاق الفاضلة , وقيم الإنسان التي
     تفرق بينه وبين الحيوان ...
هكذا تساهم الديانات السماوية , في إيجاد المواطن الصالح ,
القادرعلى التنمية وإسعاد الآخرين , فكلما اقترب الإنسان
من ربه ازداد خيرا , وأعطاه الغيث المساعد على التنمية ,
والبركة في الأهل والمال ....وكان في مجتمع منورسعيد ,
بعيد عن المسخ الذي يصيب الشعوب , فيذل كرامتها , ويعري
عوراتها  , ويجعل الإنسان في مرتبة الحيوان , بل قد يصبح
أحقرمن الحيوان , لا يفرق بين الخيروالشر, ولابين الدين
والضلال , وقد يسهام المنحلون أخلاقا في تدهورالأمن ,
والتخلف الاقتصادي , بإهمالهم الواجبات , وتسببهم في
الكوارث .... هذا الى جانب كونهم ذاهبون الى النارإن لم
يتوبوا من قريب .قال الله تعالى في سورة النور: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
 يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
وقال تعالى في سورة المائدة :" وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)"
عبداللطيف سراج الدين

 





شكرا لك ولمرورك