الخطاب في الكتابين :

إن من محددات طبيعة الكتاب , نوع الخطاب الذي يتضمنه ,
ونحن إن تتبعنا أنواع الخطاب , التي تشكل في مجموعها
الكتابين , كتاب القرآن الكريم , الذي هوكتاب المسلمين ,
المنزل على رسول الإسلام من الله تعالى , بواسطة أمين
الوحي السيد جبريل عليهما السلام , وكتاب الإنجيل الجامع
للعهدين الجديد والقديم , أوالجامع لكتابي النصارى واليهود .
والخطاب في القرآن الكريم , يختلف عن الخطاب الذي يتكون
منه الإنجيل , وذلك لأسباب كثيرة تتبين لنا من خلال
دراسة كل كتاب على حدة .
الخطاب في القرآن الكريم :
خطاب موحد , لأنه موجه من الله تعالى الى نبيه الكريم
عليه السلام . وفي الغالب يكون مصدرا بأمرالله تعالى مثل:
قل....وهوأمرمطاع , موجه من الأعلى , الذي هوخالق
الكون سبحانه وتعالى , الى العبد المرسل عليه السلام .
والآمرالذي هو أعلى رتبة , يكون مطاع الأمربالضرورة .
وفي القرآن الكريم لا يوجد غيركلام الله تعالى , الموجه
لرسوله عليه السلام , فليس هناك كلام غيره . . ومثال ذلك
قول الله تعالى :" قل هوالله أحد , الله الصمد , لم يلد ولم
يولد...." ومثل قول الله تعالى :" فاصبر على ما يقولون ,
وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس , وقبل الغروب , ومن
الليل فسبحه , وإدبارالسجود " فهذا أمركذلك من الله تعالى
الى رسوله الكريم عليه السلام , والأمر واحد وألفاظه متعددة ,
منها قل , واصبر , وذرهم , وسبح , وتول الى غير ذلك....
كذلك نجد الله تعالى يوجه الخطاب أحيانا الى المسلمين
عامة , مخبرا , أو آمرا , أو محذرا....مثل قول الله
تعالى :" لقد جاءكم رسول من أنفسكم , عزيز عليه
ما عنتم , حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ..."وقد
يوجه الخطاب الى غير المسلمين , مثل قوله تعالى
مخاطبا بني إسرائيل :" يا بني إسرائيل , اذكروا نعمتي
التي أنعمت عليكم , وافوا بعهدي أف بعهدكم , وإياي
فارهبون , وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم , ولا تكونوا
أول كافر به....."
الخطاب في الإنجيل :
يصد ر من عدة جهات , فهومرة خطاب موجه من السيد
المسيح عليه السلام . الى فرد أو جماعة , ومرة نجده
حكا ية بولس , أو لوقا , أومرقس , أويوحنا....عن السيد
المسيح عليه السلام , أو عن كراماته , أو عن تعرضه
للعقاب .....وقد يكون الخطاب رسالة من صديق ا لى صديقه ,
ثم دخلت في مكونات الإنجيل , مثل ما صرح به "لوقا "في
إنجيله...وقد يكون طرف من الإنجيل قصا لرؤيا  رآها أحدهم ,
مثل رؤيا "  يوحنا " , التي يعتبرونها من مكونات الإنجيل ,
وهو أمرلا ينبغي أن يكون ...ولقد ألفت كتابا في رؤى الصالحين
للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم , وما حصل لهم من طرامات
بسببها ...ولم أطبعه لئلا يكون اعتمادنا على الرؤى وإن
كانت مفيدة , منها أن بعض المجرمين قطع لسان رجل كان
بجوار الكعبة , فنام فرأى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ,
وقد أخذ منه طرف لسانه ودعا فرجع كما كان , فاستيقظ الرجل
فوجد الأمر كذلك...ولقد رأيت أنا شخصيا رسول الله سيدنا
محمد نحوالمائة مرة , ورأيت السيد المسيح عليه السلام ,
ونبي الله سيدنا موسى عليه السلام , وسيدنا إبراهيم عليه
السلام...وهذا لا ينبغي يضاف الى كتاب الوحي , وإلا فسد
الأمر, وادعى الصاجق والكاذب أشياء كثيرة...وقد يكون 
الخطاب في الإنجيل رسالة من " يوحنا الى ملائكة الكنائس 
السبعة , وهذا كذلك ليس من الإنجيل , ولاينبغي أن يدخل 
أحد كلامه في كتاب منزل على السيد المسيح عليه السلام , 
وهذه الأمور المدخلة في الإنجيل مما أفسد الإنجيل
الأول , وقد شكل عنصرالتأريخ في سفر التكوين مادة مهمة ,
مع العلم أن الوحي لا يسوق من التاريخ إلا وقائع , تثبت ان
الله تعالى موجود , وأنه ينزل العقاب بالمخالفين لأمره الكريم ,
مثل معاقبة : قوم نوح عليه السلام , وأصحاب الرس....مثل
ما نجده في قول الله تعالى :" كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ
الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ
الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ
الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ "...أما أن تجد كتابا مفصلا
في التاريخ , فهذا ليس مهمة الوحي , وإن كان الله تعالى أعلم
بتفاصيل التاريخ .
وهكذا لا تجد خطابا موجها من الله تعالى الى الرسول , إلا حكاية
عن كتاب سابق أحيانا....لهذا لا نستطيع أن نقول : إن الإنجيل
كتاب الله تعالى , لأن الإنجيل الذي كان يحمل هذه الصفة , ضاع
بين التزويروالنسيان , وكلام فلان وفلان ....أما عند المسلمين
فبقي القرآن قرآنا , أي كلاما لله تعالى منفصلا عن خطاب الرسول
عليه السلام , فلم يجد المزورون منفذ ا يدخلون منه الى تغييركلامه
تعالى وإن حاول البعض . ولقد خصص المسلمون كتبا لكلام
الرسول عليه السلام , وميزوا بين ما قاله وما نسب إليه عن طريق
الكذب ......
هذا الكلام موجه فقط لمن يهمه معرفة الحقيقة لينقذ نفسه من ضلالات
المحرفين , والزائدين في الأمر ما ليس منه .

عبداللطيف سراج الدين
شكرا لك ولمرورك